سلسلة رقم (1) ــ ج ــ ((علي شريعتي مفكرٌ أم منحرفٌ)) من هو علي شريعتي ؟ (3)

سلسلة رقم (1) ــ ج ــ ((علي شريعتي مفكرٌ أم منحرفٌ))  من هو علي شريعتي ؟ (3)

سلسلة رقم (1) ــ ج ــ ((علي شريعتي مفكرٌ أم منحرفٌ))
 من هو علي شريعتي ؟ (3)

 ما زال الكلام في خضم التعرف على شخصية علي شريعتي وإخباره عن نفسه التي جرفتها تيارات الفكر المناهضة للإسلام والتي كانت بعد ذلك لها دورٌ كبيرٌ في تجذر بعض آراءه وأفكاره .
يقول علي شريعتي :
ولما لم يكن الإله الذي صوروه لي في دين الصبا بقادر على أن يُلبي طموحي ويملئ الفراغ الذي أشعر به رأيتني أمام واقع مرعب يهدد كياني من الأساس ويتوعد وجودي وحياتي وبدا لي آن ذاك أن هذا الكون المترامي الأطراف وحياتي ووجودي وذاتي مفاهيم فارغة ونتابني شعور جارف بالوحدة والغربة والانزواء وانقبضت روحي انقباضاً شديداً صيّر جميع آفاق الحياة في عيني سوداء حمقاء واستولى عليّ اليأس والقنوط وتزعزعت لدي كل المعايير والفضائل الإنسانية والضوابط الأخلاقية والأمرّ من ذلك أنها غدت تبدو لي مجرد حماقات .
 ويظهر أن هذه الحالات الروحية والعقائد المتزلزلة نتيجة حتمية لتزعزع الإيمان بالله لدى الإنسان والشاهد على ذلك أنني حينما ذهبت إلى أوربا بعد سنوات وانبسطت لي آفاق جديدة وتعمقت رؤاي ونضجت أفكاري أكثر وتعرّفت على شخص سارتر وطالعت كتاباته أصابني الذهول لشدة ما رأيت من الشبه والتطابق بين تلك الأفكار والمشاعر وبين ما عانى منه سارتر وألبير كامو من جهة وها يدكر وسبرس من جهة أخرى(1) .
 علي شريعتي يُعرب عن حالة مُزرية شهِدها من تزعزع الفضائل والضوابط الأخلاقية وعلل ذلك بسبب تزعزع إيمانه إلا أنه قد يكون أصلح ما أفسده من ذي قبل واستعاد إيمانه السليب .
 ولكن الغريب والملفت لنظر أن بعد تزعزع الإيمان بالله والعقائد توسعت له آفاق جديدة وتعمقت رؤاه ونضجت أفكاره وذلك عند ذهابه إلى أوربا وقد تبين فيما بعد أن أفكاره مطابقة لأفكار سارتر وألبير كامو وها يدغر وسبرس ! ويا ترى من هؤلاء وما هي أفكارهم ؟
 الجواب : أما جان بول سارتر فهو من أشهر الفلاسفة الوجوديين حيث يرى أن الوجودية تقوم على الحرية المطلقة التي تمكن الفرد من أن يصنع نفسه ويتخذ موقفه كما يبدو له تحقيقا لوجوده الكامل(2)
 ومن أفكاره : كل فرد منا يريد أن يصبح الله وأن الله لا يمكن أن يكون موجوداً . إن الكائن البشري وحده هو الذي يعي وجود نفسه كما يعي وجود الأشياء الأخرى.(3)
 وقال علي شريعتي عن سارتر : الفيلسوف والمناضل المعروف في عالمنا المعاصر يُعدّ من المشيدين لدعائم الفكر الوجودي والمطورين له يقول : الوجود شيء تافه والسماء مليئة بلا شيء ليس هناك شيء أبداً ولا رب لهذا الكون كل شيء عارٍ عن الهدف والمضمون والحياة شأنها شأن الكون كذلك ليس لها من غاية، الإنسان كذلك أيضاً ولكن من أجل أن نمنح الكون معنى لا بد لنا أن نختلق لأنفسنا هدفاً سامياً وذلك أن الإنسان وحده قادر على أن ينفخ الحياة في الكون ويمنحه معنى ومضموناً لأنه وحده يملك الحرية والاختيار(4) .
 أما ألبير كامو فهو أيضاً كان من أشهر الوجوديين إلا أنه خالف سارتر في بعض آراءه ، وكذلك هايدغر وكال ياسبرس كانا وجوديان أيضاً .
 أفبهؤلاء الوجوديين وأفكارهم استعاد علي شريعتي إيمانه المتزعزع وتوسعت له آفاق جديدة وتعمقت رؤاه ونضجت أفكاره !!
بعد تزعزع إيمانه كان عليه أن يخبرنا بما حل بإيمانه بعد ذلك لا أن يتحدث عن تأثره بالفكر الوجودي إذ أن من شأنه أن يزعزع الإيمان أكثر ولم يكن دخيلاً في إيجاد إيمانٍ قائمٍ على أسس صحية .
 وقد تبين من هذا أن في أوربا توسعت له آفاق ولكن أي آفاق ؟! إنها آفاق الفكر الوجودي وتعمقت رؤاه ونضجت أفكاره ولو أنه بقي على الإله الذي صوروه له في حال الصبى لكان أفضل له من الإله الذي صوره له الفكر الوجودي .
 ومن هنا يتضح حرمة التعرب بعد الهجرة (5) وكونه من الكبائر لمن كان يخشى على إيمانه وسلوكه من الانحراف والتأثر بمظاهر الكفر والضلال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1ـ معرفة الإسلام ، ص145ـ146 .
 2ــ أنظر المعجم الوسيط (باب حرف الواو) .
 3ــ أنظر الموسوعة العربية العالمية
4ــ معرفة الإسلام ص145.
 5ــ عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ((الكبائر سبع : قتل المؤمن متعمداً ، وقذف المحصنة، والفرارمن الزحف ، والتعرب بعد الهجرة ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، وأكل الربا بعد البينة ، وكل ما أوجب الله عليه النار)) . ( الكافي : باب الكبائر ) . وقد بين الإمام الرضا (عليه السلام) سبب حرمة التعرب بعد الهجرة بقوله )): لأنه لا يؤمن أن يقع منه ــالمهاجر ــ ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في ذلك )) . (علل الشرايع : العلة التي من أجلها حرم الفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة)) .
التعرب بعد الهجرة يعني : الالتحاق ببلاد الكفر والإقامة بها أو أنها أعم من ذلك كما قال بعض العلماء : إنه ينطبق في هذا الزمان على الإقامة في البلاد التي ينقص بها الدين والمقصود هو أن ينتقل المكلف من بلد يتمكن فيه من تعلم ما يلزمه من المعارف الدينية والأحكام الشرعية ويستطيع فيه على أداء ما وجب عليه في الشريعة المقدسة وترك ما حرم عليه فيها الى بلدٍ لا يستطيع فيه على ذلك كلاً أو بعضاً.

الشیخ هشام کاظم

المصدر:

‏علي شريعتي مفكرٌ أم منحرفٌ‏

https://www.facebook.com/groups/1200401219983735